تُعد ميزانية الأوقاف في العراق من أغنى الميزانيات مالياً وعقارياً، حيث تعادل أو تضاهي ميزانية الدولة العراقية، وهذا أحد أكبر أسباب الصراع القائم بين السياسيين العراقيين على دور المساجد والأراضي وبعض الأبنية القديمة التابعة لدواوين الأوقاف العراقية، حيث يؤجج ملف الأوقاف في العراق الجدل في الشارع العراقي والسياسي بين الكتل السياسية والطوائف الدينية حول توزيع هذه الميزانية.
وما حصل في نظام الأوقاف العراقي بعد الغزو الأمريكي للبلاد في العام 2003، هو أن قامت الطبقة السياسية الحاكمة بتغيير النظام والشكل الإداري للأوقاف، ذلك ليتناسب مع الواقع الطائفي الجديد التي رسمته القوى السياسية الطائفية الموالية لإيران، حيث تم إلغاء وزارة الأوقاف والشؤون الدينية وحلّها، وقاموا باستحداث دواوين للوقف السني ودواوين للوقف الشيعي وأخرى لوقف باقي الديانات.
وتمتلك الأوقاف العراقية أهم وأغلى الأملاك والعقارات في العراق، حيث يعود لها الكثير من البنايات والدور المستأجرة والمدارس والمحلات التجارية في أهم المناطق الآهلة بالسكان، وترتبط هذه العقارات والأملاك بمؤسسات وقف الدوواين، حيث تتوزع بين الوقف السني والوقف الشيعي وأخرى لباقي أوقاف الديانات، مع العلم أن أغلب هذه العقارات يعود إلى الوقف السني، ومن المعروف أن عائدات الأوقاف وأصول الأملاك العائدة للأوقاف هي الواردات المالية كما أرادها الواقف، إذ لا يمكن تجاوزها، فكما أنه معروف أن نص الواقف كنص الشارع ولا يمكن مخالفته.
ولقد قامت الأوقاف الشيعية بالتصرف بأملاك الأوقاف التابعة لها بشكل مخالف للقوانين والمعايير، حيث قامت بالمتاجرة بالعقارات وكأن ملكيتها خاصة بهم، حيث أن الكثير من الأوقاف في بغداد والموصل والبصرة والنجف الأشرف وعدة مدن أخرى سُلبت من قبل الحكومات أو المتنفذين أو من قبل نفس ورثة الواقفين، وسلبت منها مشروعية الوقفة.
وفي العودة إلى العهود السابقة نجد أن الحكومات العراقية المتعاقبة كانت تستلف ميزانياتها من أملاك الأوقاف، فلو جردت الأوقاف بطريقة صحيحة فإن الأملاك الموقوفة تعادل أو قد تكون أكبر من ميزانية الدولة، فالأوقاف العراقية تُعد من أضخم الموقوفات الموجودة في العالم العربي والإسلامي، لما تحتويه من موقوفات كبيرة جداً.
وما فعلته الطائفة الشيعية التي يسيطر عليها بعض السياسيين الفاسدين الموالين لملالي إيران المعادية، أن قاموا بتقسيم الأوقاف إلى قسمين، أوقاف عامة وهي لعامة الناس، كالمساجد والحسينيات والمدارس الدينية والتي يديرها الحاكم الشرعي (المرجع الديني)، أما القسم الثاني فهي الأوقاف الخاصة، أو ما يعبّر عنها بالأوقاف الذرّية، كأن يوقف شخص داراً على أبنائه وأحفاده من أجل أن تبقى هذه الدار تجمع شملهم، ولا يمكن بيعها أو المتاجرة بها، وتكون إدارة الأوقاف الخاصة بيد الموقوف عليهم لأنهم يملكونها كاملاً.
والمتبع لدى جميع الدول الإسلامية ودول العالم، أن تكون صرف عائدات الأوقاف على الأيتام والفقراء وبعض طلاب العلم والمدارس والمحتاجين، أما ما حصل في العراق وفي السنوات الأخيرة هو أن هيئة الاستثمار في الأوقاف أخذت تتوسع في المصارف الإدارية والتشغيلية حتى باتت هذه المصاريف تستنزف أغلب واردات الأموال الموقوفة دون مراعاة لشروط صرف أموال الوقف، وذلك ما أدى إلى حرمان المحتاجين من الإعانات التي كانت تقدم في السابق، وتوقف الصرف على طلبة العلم والمدارس الدينية، وهذا الأمر يعد تعطيلاً لشروط الواقفين ويؤشر لوجود فساد مالي كبير.
وما لا يخفى على أحد هو الخلاف القائم على بعض الأملاك الموقوفة، بين الوقفين السني والشيعي، وما أجّج الخلافات بين الوقفين هو وجود ثغرات قانونية كثيرة، بالإضافة إلى عدم توازن القوى السياسية السنية مقابل القوى السياسية الشيعية، ليس هذا فحسب بل إن هناك تخاذل من بعض القوى السياسية السنية المتمثلة برئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، من أجل التنازل عن بعض الأوقاف التابعة للوقف السني إلى الجانب الشيعي، بهدف كسب بعض الدعم السياسي.
وعلى المسؤولين في الديوانين السني والشيعي أن يوضحوا كل الأمور أمام الشارع العراقي، والمضي بخطوات جدية لحل هذه الخلافات، والتي فيها إيرادات يمكن أن تساهم بشكل كبير في دعم المجتمع والحالات الإنسانية في البلاد.